فصل: تفسير الآية رقم (5):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان المشهور بـ «تفسير القرطبي»



.تفسير الآية رقم (5):

{سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (5)}
قال القشيري: قراءة أبي عمرو {قتلوا} بعيدة، لقوله تعالى: {سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ} والمقتول لا يوصف بهذا. قال غيره: يكون المعنى سيهديهم إلى الجنة، أو سيهدي من بقي منهم، أي يحقق لهم الهداية.
وقال ابن زياد: سيهديهم إلى محاجة منكر ونكير في القبر. قال أبو المعالي: وقد ترد الهداية والمراد بها إرشاد المؤمنين إلى مسالك الجنان والطرق المفضية إليها، ومن ذلك قوله تعالى في صفة المجاهدين: فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ. سَيَهْدِيهِمْ. ومنه قوله تعالى: {فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 23] معناه فاسلكوا بهم إليها.

.تفسير الآية رقم (6):

{وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (6)}
أي إذا دخلوها يقال لهم تفرقوا إلى منازلكم، فهم أعرف بمنازلهم من أهل الجمعة إذا انصرفوا إلى منازلهم. قال معناه مجاهد وأكثر المفسرين.
وفي البخاري ما يدل على صحة هذا القول عن أبي سعيد الخدري، قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله في الدنيا».
وقيل: {عَرَّفَها لَهُمْ} أي بينها لهم حتى عرفوها من غير استدلال. قال الحسن: وصف الله تعالى لهم الجنة في الدنيا، فلما دخلوها عرفوها بصفتها.
وقيل: فيه حذف، أي عرف طرقها ومساكنها وبيوتها لهم، فحذف المضاف.
وقيل: هذا التعريف بدليل، وهو الملك الموكل بعمل العبد يمشي بين يديه ويتبعه العبد حتى يأتي العبد منزله، ويعرفه الملك جميع ما جعل له في الجنة. وحديث أبي سعيد الخدري يرده.
وقال ابن عباس {عَرَّفَها لَهُمْ} أي طيبها لهم بأنواع الملاذ، مأخوذ من العرف، وهو الرائحة الطيبة. وطعام معرف أي مطيب، تقول العرب: عرفت القدر إذا طيبتها بالملح والأبزار.
وقال الشاعر يخاطب رجلا ويمدحه:
عرفت كاتب عرفته اللطائم

يقول: كما عرف الاتب، وهو البقير والبقيرة، وهو قميص لا كمين له تلبسه النساء.
وقيل: هو من وضع الطعام بعضه على بعض من كثرته، يقال: حرير معرف، أي بعضه على بعض، وهو من العرف المتتابع كعرف الفرس.
وقيل: {عَرَّفَها لَهُمْ} أي وفقهم للطاعة حتى استوجبوا الجنة.
وقيل: عرف أهل السماء أنها لهم إظهارا لكرامتهم فيها.
وقيل: عرف المطيعين أنها لهم.

.تفسير الآية رقم (7):

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (7)}
قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} أي إن تنصروا دين الله ينصركم على الكفار. نظيره {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج: 40] وقد تقدم.
وقال قطرب: إن تنصروا نبي الله ينصركم الله، والمعنى واحد. {وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ} أي عند القتال. وقيل على الإسلام. وقيل على الصراط.
وقيل: المراد تثبيت القلوب بالأمن، فيكون تثبيت الاقدام عبارة عن النصر والمعونة في موطن الحرب. وقد مضى في {الأنفال} هذا المعنى.
وقال هناك: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال: 12] فأثبت هناك واسطة ونفاها هنا، كقوله تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} [السجدة: 11] ثم نفاها بقوله: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} [الروم: 40]. {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ} [الملك: 2] ومثله كثير، فلا فاعل إلا الله وحده.

.تفسير الآية رقم (8):

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (8)}
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا} يحتمل الرفع على الابتداء، والنصب بما يفسره {فَتَعْساً لَهُمْ} كأنه قال: أتعس الذين كفروا. و{تعسا لهم} نصب على المصدر بسبيل الدعاء، قاله الفراء، مثل سقيا له ورعيا. وهو نقيض لعا له. قال الأعشى:
فالتعس أولى لها من أن أقول لعا

وفية عشرة أقوال: الأول- بعدا لهم، قاله ابن عباس وابن جريج.
الثاني- حزنا لهم، قاله السدي.
الثالث- شقاء لهم، قاله ابن زيد.
الرابع- شتما لهم من الله، قاله الحسن.
الخامس- هلاكا لهم، قاله ثعلب.
السادس: خيبة لهم، قاله الضحاك وابن زيد.
السابع- قبحا لهم، حكاه النقاش.
الثامن- رغما لهم، قاله الضحاك أيضا.
التاسع-
شرا لهم، قاله ثعلب أيضا.
العاشر- شقوة لهم، قاله أبو العالية.
وقيل: إن التعس الانحطاط والعثار. قال ابن السكيت: التعس أن يخر على وجهه. والنكس أن يخر على رأسه. قال: والتعس أيضا الهلاك. قال الجوهري: وأصله الكب، وهو ضد الانتعاش. وقد تعس بفتح العين يتعس تعسا، وأتعسه الله. قال مجمع بن هلال:
تقول وقد أفردتها من خليلها ** تعست كما أتعستني يا مجمع

يقال: تعسا لفلان، أي ألزمه الله هلاكا. قال القشيري: وجوز قوم تعس بكسر العين. قلت: ومنه حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض» خرجه البخاري. في بعض طرق هذا الحديث: «تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش» خرجه ابن ماجة. قوله تعالى: {وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ} أي أبطلها لأنها كانت في طاعة الشيطان. ودخلت الفاء في قوله: {فَتَعْساً} لأجل الإبهام الذي في {الَّذِينَ}، وجاء {وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ} على الخبر حملا على لفظ الذين، لأنه خبر في اللفظ، فدخول الفاء حملا على المعنى، وأضل حملا على اللفظ.

.تفسير الآية رقم (9):

{ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (9)}
أي ذلك الإضلال والاتعاس، لأنهم {كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ} من الكتب والشرائع. {فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ} أي ما لهم من صور الخيرات، كعمارة المسجد وقرى الضيف وأصناف القرب، ولا يقبل الله العمل إلا من مؤمن.
وقيل: أحبط أعمالهم أي عبادة الصنم.

.تفسير الآية رقم (10):

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (10)}
بين أحوال المؤمن والكافر تنبيها على وجوب الايمان، ثم وصل هذا بالنظر، أي ألم يسر هؤلاء في أرض عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم ليعتبروا بهم {فَيَنْظُرُوا} بقلوبهم {كَيْفَ كانَ} آخر أمر الكافرين قبلهم. {دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} أي أهلكهم واستأصلهم. يقال: دمره تدميرا، ودمر عليه بمعنى. ثم تواعد مشركي مكة فقال: {وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها} أي أمثال هذه الفعلة، يعني التدمير.
وقال الزجاج والطبري: الهاء تعود على العاقبة، أي وللكافرين من قريش أمثال عاقبة تكذيب الأمم السالفة إن لم يؤمنوا.

.تفسير الآية رقم (11):

{ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (11)}
أي وليهم وناصرهم.
وفي حرف ابن مسعود {ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا}. فالمولى: الناصر ها هنا، قاله ابن عباس وغيره. قال:
فغدت كلا الفرجين تحسب أنه ** مولى المخافة خلفها وأمامها

قال قتادة: نزلت يوم أحد والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الشعب، إذ صاح المشركون: يوم بيوم، لنا العزى ولا عزى لكم، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قولوا الله مولانا ولا مولى لكم» وقد تقدم. {وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ} أي لا ينصرهم أحد من الله.

.تفسير الآية رقم (12):

{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الأنعام وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (12)}
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} تقدم في غير موضع {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ} في الدنيا كأنهم أنعام، ليس لهم همة إلا بطونهم وفروجهم، ساهون عما في غدهم.
وقيل: المؤمن في الدنيا يتزود، والمنافق يتزين، والكافر يتمتع. {وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} أي مقام ومنزل.

.تفسير الآية رقم (13):

{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ (13)}
قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ} تقدم الكلام في {كأين} في آل عمران. وهي ها هنا بمعنى كم، أي وكم من قرية. وأنشد الأخفش قول لبيد:
وكائن رأينا من ملوك وسوقة ** ومفتاح قيد للأسير المكبل

فيكون معناه: وكم من أهل قرية. {هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ} أي أخرجك أهلها. {فَلا ناصِرَ لَهُمْ} قال قتادة وابن عباس: لما خرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة إلى الغار التفت إلى مكة وقال: «اللهم أنت أحب البلاد إلى الله وأنت أحب البلاد إلي ولولا المشركون أهلك أخرجوني لما خرجت منك». فنزلت الآية، ذكره الثعلبي، وهو حديث صحيح.

.تفسير الآية رقم (14):

{أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (14)}
قوله تعالى: {أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} الالف ألف تقرير. ومعنى {عَلى بَيِّنَةٍ} أي على ثبات ويقين، قاله ابن عباس. أبو العالية: وهو محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والبينة: الوحي. {كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} أي عبادة الأصنام، وهو أبو جهل والكفار.
{وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ} أي ما اشتهوا. وهذا التزيين من جهة الله خلقا. ويجوز أن يكون من الشيطان دعاء ووسوسة. ويجوز أن يكون من الكافر، أي زين لنفسه سوء عمله وأصر على الكفر. وقال: {سوء} على لفظ {من} {وَاتَّبَعُوا} على معناه.

.تفسير الآية رقم (15):

{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (15)}
قوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} لما قال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ} [الحج: 14] وصف تلك الجنات، أي صفة الجنة المعدة للمتقين. وقد مضى الكلام في هذا في {الرعد}. وقرأ علي بن أبي طالب {مثال الجنة التي وعد المتقون}. {فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ} أي غير متغير الرائحة. والآسن من الماء مثل الآجن. وقد أسن الماء يأسن ويأسن أسنا وأسونا إذا تغيرت رائحته. وكذلك أجن الماء يأجن ويأجن أجنأ وأجونا. ويقال بالكسر فيهما: أجن وأسن يأسن ويأجن أسنا وأجنأ، قاله اليزيدي. وأسن الرجل أيضا يأسن بالكسر لا غير إذا دخل البئر فأصابته ريح منتنة من ريح البئر أو غير ذلك فغشي عليه أو دار رأسه، قال زهير:
قد أترك القرن مصفرا أنامله ** يميد في الرمح ميد المائح الأسن

ويروى الوسن. وتأسن الماء تغير. أبو زيد: تأسن علي تأسنا اعتل وأبطأ. أبو عمرو: تأسن الرجل أباه أخذ أخلاقه.
وقال اللحياني: إذا نزع إليه في الشبه. وقراءة العامة {آسِنٍ} بالمد. وقرأ ابن كثير وحميد {أسن} بالقصر، وهما لغتان، مثل حاذر وحذر.
وقال الأخفش: أسن للحال، وآسن مثل فاعل يراد به الاستقبال. {
وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} أي لم يحمض بطول المقام كما تتغير ألبان الدنيا إلى الحموضة. {وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} أي لم تدنسها الأرجل ولم ترنقها الأيدي كخمر الدنيا، فهي لذيذة الطعم طيبة الشرب لا يتكرهها الشاربون. يقال: شراب لذ ولذيذ بمعنى. واستلذه عده لذيذا. {وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} العسل ما يسيل من لعاب النحل. {مُصَفًّى} أي من الشمع والقذى، خلقه الله كذلك لم يطبخ على نار ولا دنسه النحل.
وفي الترمذي عن حكيم بن معاوية عن أبيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إن في الجنة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللبن وبحر الخمر ثم تشقق الأنهار بعد». قال: حديث حسن صحيح.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سيحان وجيحان والنيل والفرات كل من أنهار الجنة».
وقال كعب: نهر دجلة نهر ماء أهل الجنة، ونهر الفرات نهر لبنهم، ونهر مصر نهر خمرهم، ونهر سيحان نهر عسلهم. وهذه الأنهار الاربعة تخرج من نهر الكوثر. والعسل: يذكر ويؤنث.
وقال ابن عباس:
{مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} أي لم يخرج من بطون النحل. {وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ} {من} زائدة للتأكيد. {وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} أي لذنوبهم. {كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ} قال الفراء: المعنى أفمن يخلد في هذا النعيم كمن يخلد في النار.
وقال الزجاج: أي أفمن كان على بينة من ربه وأعطى هذه الأشياء كمن زين له سوء عمله وهو خالد في النار. فقوله: {كَمَنْ} بدل من قوله: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} [فاطر: 8].
وقال ابن كيسان: مثل هذه الجنة التي فيها الثمار والأنهار كمثل النار التي فيها الحميم والزقوم. ومثل أهل الجنة في النعيم المقيم كميل أهل النار في العذاب المقيم. {وَسُقُوا ماءً حَمِيماً} أي حارا شديد الغليان، إذا دنا منهم شوى وجوههم، ووقعت فروة رؤوسهم، فإذا شربوه قطع أمعاءهم وأخرجها من دبورهم. والأمعاء: جمع معى، والتثنية معيان، وهو جميع ما في البطن من الحوايا.